عظمة المرأة العربية

'أتمنى أن تقبلي الارتباط بي، لكن قبل أن تعطيني ردا عليك أن تعلمي أن القضية أولا...'، هكذا قالها مروان البرغوثي لزوجته فدوى، وبادرت بالرد: أوتظن أنك وحدك من يحب فلسطين؟!'.. وها هي اليوم بعد 20 عاما تذهب إلى زيارته بالمعتقل، وتعود لتقف أمام كاميرات الإعلام وتقول إن صمودها من صموده، وإن الأسير الصهيوني 'شاليط' لن يعود إلى أهله دون عودة مروان ورفاقه.
تشترك مع 'فدوى البرغوثي' كثيرات من المجازفات ممن اخترن عش زوجية تحاصره الأعين المتلصصة وتقارير الأجهزة الأمنية والرشاشات.
ومن داخل هذا العش الطامح إلى الهدوء غير الموعود به نلتقط بعض المشاهد التي تحكي كيف تفكر الفتاة في الارتباط بناشط أو مناضل، وهل تتغير طبيعتها بعد التجربة، وهل هناك من ندمت عليه..
مشاهد لا تقول كل الحقيقة، ولكن تعكس بعضا منها.
زوجة أقدم معتقل
تعتبر السيدة 'صباح التركماني' زوجة أقدم معتقل سياسي، وهو الضابط الحربي السوري 'فرحان يوسف الزغبي'، مجرد فتاة عادية ذات تعليم عال، ومن أسرة لها سمعة جيدة، ارتبطت وهي في 22 من عمرها بزوج حسدتها عليه صديقاتها، فهو ضابط شاب بالجيش السوري معروف بالتزامه، ولم تكن تعرف حينها أنه بعد أقل من 7 سنوات زواج ستبدأ رحلة عذاب على مدار 38 عاما، هي عمر اعتقاله بعد أحداث أيلول الأسود في 1970، ومن يومها قامت كغيرها بتربية الأولاد وتلقت الأحفاد، وعاشت وهدفها الأول هو البحث عن الجدران السوداء للسجن الذي يحجب عنها ضوء زوجها ودفء وجوده، وإلى الآن لا تعرف إن كان حيا أم استشهد.
وفي خطاب أخير وجهته كافة المعنيين بحقوق الإنسان، وتمنت أن يصل إلى الرئيس بشار الأسد قالت: '38 عاما من النضال والكفاح بحثا عن زوجي الذي خرج دفاعا عن المدافعين عن قضية الأمة العربية والإسلامية، دفاعا عن إخوته الفدائيين، والذي قضى الأيام الطوال هو ورفاقه في تدريبهم.. خرج ليدفع القتل عنهم.. 38 عاما أبحث عن زوجي الذي كان رجلا وضابطا استثنائيا بشهادة كل من عرفه.. 38عاما وأنا أرعى أولاده الثلاثة، حيث كانت ثالثتهم ما تزال جنينا في بطني في شهرها الأول، ولا أعلم إن كانوا أخبروه بأن عنده بنتا هي ثالثة أولاده أم أنه ليس له حق في ذلك؟ لم أدع بابا من أبواب أعمدة الدولة السورية إلا وطرقته، حتى أبواب أهالي وزوجات المسئولين حتى ترق قلوبهم، وعلى باب السجن تم إلغاء أول زيارة واكتشفت بعدها أنها وهم وأنه غير موجود بسوريا من الأصل، وأقول للجميع سأبقى في سوريا؛ لأني ربيت أولاد فرحان الزغبي وأحفاده فيها'.
أقوى من الكلمات
زوجة السناريست والناشط السياسي المصري 'رامي يحيى' هي سيدة صغيرة حديثة العهد بتجارب القلق على الزوج وتحمل مسئولية الأسرة في غيابه، الأمر لم يطل بها لأكثر من شهر، ولكنه كان كفيلا بأن يعلمها أن كل ما تخيلته نظريا قد يحدث في أي لحظة، وسيحدث بصورة أكبر وأثقل مما كانت تتخيل.
في يوم إضراب 6 أبريل نزلت 'جانيت'، وهي صحفية بجريدة الكرامة المصرية(جريدة مستقلة)، لتغطية الأحداث وصاحبها زوجها تضامنا معها ولطمأنتها، وتعبيرا عن رأيه أمسك بالونة كُتب عليها 'مع الإضراب'، وفي ثوان قليلة فصل الأمن بينه وبين زوجته، وبقي مرحلا بين المعتقلات لمدة شهر، عاد بعدها ليجد زوجته قد تسلمت جائزة دولية عن سيناريو جديد له، وخلال فترة اعتقاله حمل أحد أصدقائه خطابا لكل من وقف إلى جواره، وعن زوجته التي سماها مقاتلتي الجميلة قال: 'نزلت لميدان التحرير ماسكا يد حبيبتي، وباليد التانية بالونتي، بس واضح أن الاتنين ما عجبوش الأمن ففرقعوا البالونة وفرقوا بيني وبين حبيبتي...'
ولكن هذه الصورة الوردية التي تتمناها كثير من الفتيات ليست هي السائدة طوال الوقت، فأحيانا تظلم الحياة بحق فلا يستطيع هذا الزوج حتى النطق بكلمة، وتنكسر الحياة في عينه بمجرد نظرة، وهو ما حدث مع زوجة 'أبو بلال'، أحد المعتقلين من حركة حماس داخل سجون الأمن الوقائي في الضفة الغربية، إنها لم تستطيع التعرف عليه بسبب وحشية التعذيب، وقالت باكية أمام عدسة وكالة رويترز منذ أسبوعين: 'زوجي مناضل.. نفذ إحدى العمليات داخل الخط الأخضر، وشرفي به بلا حدود، ولكن كيف أنسى هذا المشهد، كل ما تعرفت عليه هذا السروال الذي أرسلته له من أسبوعين مع أحد الأقارب.. عذبوه إلى حد لم أستطع عنده التعرف عليه.. أحمد الله أنني لم أصطحب أيا من الأطفال معي، وأعتقد أنه تأثر نفسيا جدا بعدم قدرتي على التعرف عليه، رأيت هذا في عينيه، ولم أرد أن أزيد عذابه.. حسبي الله ونعم الوكيل فيمن فعل هذا بنا'.
على أبواب المعتقل
ومن ردهات المعتقلات لصفحات الكتب كتبت كثيرات من وحي التجربة، وحولتهن اللحظات العصيبة إلى أديبات أو سيدات أكثر حساسية، كما تقول الأديبة السورية 'مريم نجمة' التي نشرت كتابا بعنوان 'خواطر زوجة سجين سياسي'، وداخله تعددت الرسائل.
قالت في رسالة 'شوق للوطن الحر': 'تتراكض الفصول لتحتضن السنين، وتنام على كتف التاريخ.. أما الشوق فيتراكض كالفراشات إلى اللقاء والتجدد والتحليق فوق حقول الأمل.. الأبعاد تتلاشى والأيام تمر..'
ثم تحكي لمن هو غائب عنها ولا يستطيع سماعها مرارة ما تعانيه وتواجهه وحدها: 'لكن الصدمات اليومية التي جابهتني في هذه السنة حفرت في خلايا وأعصاب الجسد أخاديد سمرتها قساوة المحن.. ولكنني أرجع لأقول أهلا بالظلم والتعسف والتضحية؛ لأن سلاحي في كل ذلك هو الابتسامة والصبر والعمل، والهزء بالصعوبات والتحدي؛ لأننا خلقنا في وسطها ونعيش بينها'.
وعن إحساسها بعد أول زيارة بمعتقل 'تدمر' كتبت: 'أبت مذكراتي إلا أن تزور صحراء البادية التدمرية.. أنت أيتها الآثار التدمرية.. تكلمي كيف صمدت وقاومت.. وأنت (يا زنوبيا) المرأة السورية الشامخة... أتيت اليوم لأزور آثار مدينتك لأشحذ منك عزيمة المرأة العربية في وجه الطاغية الذي يبغي الإصفاد وكم الأفواه.. فأنا أكتب الآن وزوجي المعتقل على بعد أمتار مني، تحجزه الجدران و (الأوامر العسكرية) الصادرة عن الحزمة الفاشية'.
وننتهي بكلمات انسابت منها شعرا وهي عائدة محسورة، وقد منعها الحرس من الزيارة، فبادلته كلمات الحب برغم أمتار البعد قائلة: 'أتيت لأزورك يا حبيبي، فحالت دون لقائنا أوامر الكره والحقد الأسود.. لا بأس يا حبيبي، إن أفكارنا وعواطفنا تتعانق كل لحظة، إن قلبي الذي أعطاك خلجاته مذ عرفتك لا يبخل بشيء، سوف يبقى ينبض برغم حجز حريتك، أنا بقربك يا حبيبي الآن دون أن تعلم بذلك.. ربما فيما بعد تعلم.. إني أتنفس في نفس المحيط، وأعيش الماضي بكل تمرده، سامحيني أيتها الأرض الطيبة، لقد ذرفت دموعا على قدميك، أهو نتيجة الصدمة التي مررت بها اليوم بسبب منعي من مقابلة زوجي المعتقل هنا في سجنهم وليس سجنك.. أم كانت دمعة هي تعبير للخلود والصمود، إنها كلاهما معا...'
ومن العراق أرسل الناشط السياسي 'أبو ظفر' إلى زوجته الأديبة 'بلقيس الربيعي' من غياهب السجون يقول: 'لا أدري هل الطريق هو الذي امتطاني أم أنا الذي امتطيت الطريق؟ سرت بلا هدف.. سوى ارتعاشة في القلب ودموع حرَّى تبلل أجفاني، إنه الزمن اللعين، القدر الذي لا يرحم أبعدني عنكم'، وردت عليه قائلة: 'لا أعرف إلا أن أواجههم بالكلمات.. سأكتب عنك لأنك رجل استثنائي، أحبك لا أدري حدود محبتي، يقولون: (وبعض الهوى كالغيث إن فاض خربا) وأقول: إن حبي كالنور إن فاض يأتلق، فلا تخف من عتمة السجون'.
انتفاضة الصحراء
النماذج كثيرة، ولكن يمكن القول إن أغلبهن شخصيات ذات إرادة مميزة أهلتهن لهذا الاختيار من البداية، ولكن هذه الإرادة تتفجر إلى طاقة غير محدودة وقوة فعل لا تنتهي إذا مس الزوج سوء.
فنجد من تحرك الشارع من أجل وقفات لدعم الزوج، كما تفعل جميلة إسماعيل في مصر، وهناك من تتعرض للاعتقال لمجرد اعتزازها به كما حدث للسيدة رنا زوجة المفكر العربي عزمي بشارة على معبر صهيوني حين تلفظ أحد الجنود بالشتائم ضد زوجها، ولا يسعنا إلا أن نقول: كما فعلن ستفعل غيرهن الكثيرات لأن من يركب البحر لا يخشى من الغرق ولا من المجهول.

تحية لفدوى البرغوثي
ولكل المناضلات على أمتداد
الوطن
شكرا حكايا جدتي لهذا الموضوع الشيق

أنسان كتب:: تحية لفدوى البرغوثي
ولكل المناضلات على أمتداد
الوطن
شكرا حكايا جدتي لهذا الموضوع الشيق

تحية لكل من حمل وطنه في معطفه ليحفظهما الرحمن

شكرا لمرورك انسان