التحرش الجنسي في مواقع العمل بين الصمت والتشريع

التحرش الجنسي في مواقع العمل بين الصمت والتشريع

مقدمة :
رغم إنه لا يوجد تعريف موحد للتحرش الجنسي في مواقع العمل، إلا أن هناك إجماع دولي على مواجهة هذه الظاهرة التي ارتبطت بمواقع العمل عامة كانت أم خاصة، كما انه فعل يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان[1] كالحق في المساواة عدم التمييز، والعمل، وتكافؤ الفرص، وقبل كل شيء الحق الاساسي في إحترام كرامة الإنسان وحريته .
وحديثي اليوم إنما يرتبط بالتحول الاقتصادي الذي تشهده البلاد، والازدهار الواضح للعيان في كثافة مواقع العمل الخاص، وهي اماكن قد تختلط فيها علاقة العمل بين المهنية والشعور بأن مستخدمي القطاع الخاص خاضعون في مصيرهم لرب العمل. وهي علاقة غير متوازنة، وتحتاج الى تدخل تشريعي من حين لآخر لجعلها متوازنة قدر الإمكان.
والإنتعاش الاقتصادي الذي نعيشه اليوم، وأن القطاع الخاص لحداثته بعد ركود تام لأكثر من عقدين من الزمن في حاجة إلى تنظيم لقواعد العمل بشكل أكثر انضباطاً من ذي قبل.
وجدير بالذكر أن دولاً عربية مجاورة بدأت منذ مدة في طرق باب التحرش الجنسي في مواقع العمل وطرح الإشكالية على الأقل نظرياً (مصر و الاردن)[2]، إلا أن بعضها الآخر ذهب أبعد من ذلك (تونس[3] والمغرب[4]) بإصدار تشريعات جنائية لمواجهتها، فإنه من المجدي اليوم طرح المسألة والخروج من دائرة الصمت خاصة على المستوى الإعلامي عن التحرش الجنسي، وتناول الأمر بالدراسة واقتراح تعديل التشريع الجنائي بما يكفل تحقيق الحماية منه وتوقيع العقاب على مرتكبه بإصدار تشريعات لمواجهتها.
(1) تعريف التحرش الجنسي:
كما ذكرنا أعلاه، فإنه من الصعب وضع تعريف محدد للتحرش الجنسي ذلك إن ما يعد كذلك في مجتمع، قد لا يكون كذلك في مجتمع آخر.
ورغم انتشار الظاهرة وطرح نفسها بقوة على مستوى دولي وأقليمي[5] ووطني[6]، إلا أن المجتمع الدولي لم يجمع على تعريف واحد لها، ولم يتصدى لها بموجب إتفاقية دولية بعد . بل إن الاتحاد الأوربي[7] أعلن صراحة إنه ليس بإمكانه وضع تعريف موحد[8]، وإن كان بإمكانه وضع معايير تساهم وتساعد كل دولة من دوله في إعداد تشريع يلائمها بالخصوص.
إن التحرش الجنسي ظاهرة اجتماعية ونفسية في أصلها وإن كان لها نتائج وأبعاد أخرى، وهو ما يعني أن كل مجتمع أدرى بشؤونه وأعلم بما يشكل تحرشاُ جنسياً من عدمه.
إلا أن هذا يجب أن لا يدفع إلى الإحجام عن مواجهة المسألة والتدخل تشريعياً لمعالجتها، أو أن يتخذ من ذلك ذريعة لدفن الرؤوس في الرمال، ذلك ان دول كثيرة بما في ذلك دول عربية وضعت تعريفاً يناسبها لمواجهتها، بل أن هذا سبباً أساسياً للعمل حثيثاً على تبني تشريع مناسب وملائماً بدلاً من أن الإنتظار حتى يفرض ذلك بموجب تعريف دولي في يوم من الأيام.
ولا شك في ان هناك نوعاً من الإتفاق اليوم على أنه من الممكن وضع معايير ومقاييس للتحرش الجنسي، كما أن هناك إجماع على أن التحرش الجنسي لا ينصب على شكل مادي ملموس، بل انه يتخذ مظاهر ثلاث:
1. تحرش جنسي شفوي (ملاحظات وتعليقات جنسية مشينه/ طرح أسئلة جنسية/ نكات بذيئة/ الإلحاح في طلب لقاء..الخ )[9]، وهو الأكثر إنتشاراً.
2. تحرش جنسي غير شفوي (نظرات موحية/ الإيماءات والتلميحات الجسدية).
3. تحرش جنسي بسلوك مادي (بداية باللمس والتحسس، وإنتهاءاً بالاعتداء).
وجدير بالذكر أن المقياس الرئيسي إضافة إلى أحد المظاهر المبينة اعلاه، هو صدوره عن ذات الشخص بشكل متكرر وبإمعان.
(2) هل يرتبط التحرش الجنسي بالمرأة ؟
إن التحرش الجنسي يرتبط وقبل كل شئ بكرامة الإنسان[10] وآدميته، فقد كرمه الله سبحانه وتعالى على بقية المخلوقات واستخلفه في الأرض. وكرامة الإنسان ترتبط أشد الارتباط بمصدر رزقه، وحقه في العمل في بيئة نظيفة، وشعوره بالمساواة وتكافؤ الفرص.
والتحرش الجنسي هو هدم بمعول حاد ونابئ لكرامة الإنسان وتخريب لذاته وشعوره بالكرامة المتأصلة فيه.
وعليه، فإنه يجب ألا نفرق بين المرأة و الرجل بالخصوص.
إلا أن المؤشرات والدراسات ومن بينها دراسة صادرة عن الاتحاد الأوربي[11] بينت أن 40 – 50% من النساء يتعرضن للتحرش الجنسي في مواقع العمل، وأن كل امرأة من بين اثنتين أو ثلاثة عرضة لذلك مقابل رجل من بين عشرة رجال يتعرض لذات الأمر. كما أن مسوحات إعلامية وحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية قدرت أنه فيما بين 40-60 % من النساء في أماكن العمل في الولايات المتحدة تعرضن لتحرش جنسي.
وهذا مرده للعديد من الأسباب من بينها أن نظرة الرجل وتقييمه لما يشكل تحرشاً جنسياً قد تختلف عن تقييم المرأة أو شعورها به، كما أن هناك تفاوت في العادة بين أعداد الرجال سواء من العاملين وأرباب العمل على وجه الخصوص واعداد النساء، وانهم ( أي الرجال) اكثر عددا خاصة في مواقع المسؤولية من المرأة ، وهي مسألة تحتاج إلى دراسة خاصة بكل مجتمع.
لكن الأهم هو أن هذه الظاهرة يجب التصدي لها بتشريع لا يفرق بين الرجل[12] والمرأة، بل يمتد لكليهما لارتباطها بكرامة الإنسان وحقوقه أياً كان جنسه أو معتقده أو لونه أو غيره ، كذلك لارتباطه بقدرات الإنسان وبمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.
لذا فإنه من الملاحظ أن التشريعات الصادرة في الخصوص جاءت بصيغة عامة غير مرتبطة بجنس الجاني أو المجني عليه[13].
(3) :ومن خلال هذا التعريف يبين أن هتك العرض لا يمكن أن يكون إلا فعلاً مادياً ملموساً لذلك الجزء من جسم الإنسان الذي يعد في حكم العورات، وهي أفعال في كل الأحوال ما دون فعل المواقعة [16].
كما أن نص المادة 421 المتعلقة بالأفعال أو الأشياء الفاضحة تشترط لوقوع الجريمة أن تقع في محل عام مفتوح أو معروض على الجمهور.
والتحرش الجنسي كما سبق القول يتخذ مظاهر عديدة، أهمها وأكثرها وقوعاً وانتشاراً هي تلك التي تتخذ القول أو التعبير الشفوي غير المادي شكلاً لها[17]، كما أنها في أغلب الأحوال تقع في أماكن مغلقة (أماكن العمل/ الدراسة)، ومن تم لا تدخل لا في نطاق المادة 408 (هتك العرض) ولا المادة 421 (الأفعال أو الأشياء الفاضحة) وهكذا فإن المعتدي في التحرش الجنسي يظل طليق السراح من أي طوق جنائي، ولا يشكل فعله جريمة في القانون .
وهل لازال في الإمكان الانتظار بالمتحرش جنسياً وإعطائه الفرصة في الإمعان في التحرش بالآخر حتى يصل لحد الفعل المادي حتى تطاله العقوبة ويعتبر ما هو دون ذلك أمراً مباحاً في مجتمع يميل إلى الصمت صوناً للعرض؟
أما آن للمشرع أن يتدخل لإيقاف هذه الآفة قبل امتدادها إلى حد الاعتداء مادياً؟.
عليه، فإنه يمكن القول أن التشريع لا يغطي حالة التحرش الجنسي وأن الحاجة اليوم لتدخل المشرع بتعديل قانون العقوبات بما يكفل ردع هذه الحالة.
(4) الصمت ... وعدم الدراية:
تتميز حالة التحرش الجنسي بوقوعها في أماكن مغلقة (عمل/ دراسة...)، ، كما أنها تتميز بوقوعها من شخص له نوع من السلطه على مرؤوسه، لذا فانها نادرة الحدوث في الأماكن العامة وفي أماكن تتساوى فيها قدرات المرأة والرجل في جو يكفل نوعاً من المساواة وتكافؤ الفرص.
إلا أن وقوعها لا يؤدي إلى أزمات ومعاناة نفسية وفقدان للثقة وشعور بالدونية على من وقع عليه الفعل فحسب، بل يمتد إلى الرزق ومصادره، لذا فإن التحرش الجنسي يشكل نوعاً من أنواع القهر على من يقع عليه، إذ غالباً ما يقع من القوي على الضعيف، وغالباً ما يشكل اسوأ أنواع الاستغلال وأبشعه في مصدر رزق الإنسان وقوته.
وإزاء ظروف المجتمع والتقاليد غالباً ما يكون سلاح الصمت، والتضحية بالمرتب والعمل، هي الوسيلة الوحيدة للنجاة من مخالب وبراثن التحرش الجنسي.
بل إنه ولعدم الدراية والإحاطة بطبيعة الفعل هذا، كثيراً ما يؤدى التحرش الجنسي الشفوي على وجه الخصوص إلى تشويش وإضراب وإرباك في ذهن ضحاياه، على إعتبار أنه لم يرقى لمستوى الإعتداء الملموس مما قد يضع من وقع عليه الاعتداء فريسة لحالة من عدم التأكد والخوف من اللجوء إلى الشكوى، خاصة وأن قانون العقوبات الليبي لا ينصف المعتدي عليه في هذه الحالة.
لذا فإن الوعي بالمسألة أساسي، وتحديد مقاييس حالة التحرش الجنسي ومعاييره مهمة، والتوعية وشرحها مهم. كما أن الدور الإعلامي اساسي، كإجراء تحقيقات صحفية داخل أماكن العمل، وإعداد دراسة لرفع المسكوت عنه، ومواجهة الواقع بالإحصائيات وعرض حالات حية بالخصوص.
كذلك القيام بدورات تدريبية وتثقيفيه في دور العمل، يتم فيها بيان معايير التحرش الجنسي ومفهومه حتى لا يشتط أو يسأ استخدامه لأغراض خاصة أو للتشفي والانتقام.
إن الوعي بالتحرش الجنسي وإعطاء أمثلة حية يشجع الجانب المعتدي عليه من الخروج من دائرة الصمت إلى مرحلة الدفاع عن حقوقه والتشبث بعمله ومصدر رزقه أياً كانت المعوقات والمشاكل التي تعترضه في سوق العمل.
(5) ما الحل؟:
1. تدخل تشريعي بإضفاء صفة الجريمة على التحرش الجنسي وتضمينها قانون العقوبات ، وبالمناسبة فإننا نتمنى على لجنة تعديل قانون العقوبات الحالية إلى تضمين قانون العقوبات نصاً يتعلق بالتحرش الجنسي كما فعل المشرع التونسي والمغربي.
2. أن تقوم أمانة اللجنة الشعبية العامة للقوى العاملة، بوضع لائحة تعمم على جهات العمل خاصة القطاع الخاص تتطرق فيه إلى مسألة التحرش الجنسي وتضع ضوابط وقواعد بالخصوص وتتابع تنفيذها من خلال إنشاء قسم أو مكتب[18] لتلقي الشكاوي بالخصوص تحت مسمى مكتب عدم التمييز وتكافؤ الفرص، ومحاولة معالجتها في إطار علاقة العمل.
3. التوعية الإعلامية والتربوية وإعداد الملصقات والكتيبات التي توزع مجاناً على أماكن العمل، وأعداد الندوات بالخصوص.
4. إلزام الشركات وجهات العمل[19] ذات العمالة الكبرى والمتوسطة على عقد دورات تدريبية وفرض انعقادها على الشركات الكبرى ذات الأعداد الكبيرة من العاملين لتوعيتهم وتثقيفهم بالأمر، إضافة إلى حثها على تعيين أخصائي اجتماعي لمواجهة هذه الحالات.
الخاتمة:
إن مواقع العمل اليوم سواء أكانت ضمن القطاع العام أو الخاص في حاجة إلى ضوابط وقواعد تحمي الجانب الضعيف في علاقة العمل أو الوظيفة على اعتبار أن العمل حق من حقوق الإنسان لصيق بكرامته وكيانه، مصدراً لرزقه وركيزة لاستقلاليتة.
أن الحديث عن التحرش الجنسي في مواقع العمل يجب أن يكون اليوم على الملأ خاصة وأن التوجه الإقتصادي اليوم، يخطو خطوات واسعة نحو القطاع الخاص وتشجيعه وهو أمر يجب أن يواكبه توفير أكبر حماية للعامل من تغول القطاع الخاص أو هيمنة القطاع العام على مقدرات العاملين لديه.
إن الخروج من حالـة الصمـت إلى العلن، ومناقشة الموضوع، وعرض حالاته، ودراسته واستخراج إحصائيات بالخصوص، إضافة إلى تدخل المشرع لتجريم التحرش الجنسي، بلا شك سيضفي الكثير من التوازن لعلاقات توصف في الغالب بأنها علاقات ظالمة يتحكم فيها صاحب السلطة والنفوذ بمن يعمل تحت إمرته

موضو ع صحيح مائه بالمئه شكرا لك ادمن

شكرا لك ادمن على طرحك لهذة القضية
وانا من رايي بان المرأة هى التى تتحكم بذلك التحرش وهى المتصرف الوحيد للموقف فهى القادرة للحفاظ على نفسها وصون عفتها
تقبل مرورى

موضوع كثير مهم
شكرا لك على طرحه

تحياتى

شكرا لكم لمروركم ومساهماتكم