الانفاق جعلت أفقر المدن في غزة أغناها

في مدينة رفح جنوب القطاع أصبحت مهنة العمل في التهريب، المهنة الرائجة لدى الشباب الذين يعانون من البطالة والفر، بسبب الحصار الذي أدى إلى إغلاق معظم الورش الصناعية، وأدى إلى زيادة حالات الفقر المدقع بين السكان المحاصرين من إسرائيل.



وبحسب ما أفاد به عاملون في مهنة التهريب عبر هذه الأنفاق فإن عددها أصبح يفوق الـ 350 نفق أرضي، يستخدمها ملاكها في جلب مواد غذائية ووقود وأجهزة كهربائية والكترونية من مصر، لا تسمح إسرائيل بإدخالها للقطاع الساحلي المحاصر.



ويقول أحد العاملين في الأنفاق لـ 'القدس العربي' ان تطور العمل والحاجة لم يبقي عمل الإنفاق فقط مقصور على تهريب البضائع والسلع الغذائية، موضحاً ان تضييق الخناق على المسافرين دفع خلال الفترة الماضية بعدد من منهم (طلاب ومرضى وأصحاب إقامات في الخارج) إلى سلوك الممرات الأرضية (الأنفاق) التي تبدأ فتحاتها من أحد المناطق الحدودية في مدينة رفح الفلسطينية بعمق يصل إلى نحو 30 مترا أسفل سطح الأرض الى الفتحة الأخرى في المناطق المصرية، يجتازون خلالها أكثر من 500 متر، يتوسطها السياج الحدودي المصري وجنود حرس الحدود، وذكر أن الأنفاق أصبحت 'الملجأ الوحيد' للمسافرين الذي لا يعد يحتملون أوقات فتح معبر رفح مرة كل شهر.



وتفرض إسرائيل حصار محكم على غزة، وأغلق معبر رفح البري المنفذ الوحيد لسكان القطاع على العالم الخارجي منذ سيطرة حماس على القطاع منذ منتصف شهر حزيران(يونيو) من العام الماضي، ولا يسمح بفتحه إلا لأيام لا تفي بالحاجة.



أحد أصحاب الحاجة الذين تمكنوا من السفر عبر الأنفاق وصف رحلة السفر والعودة بـ 'رحلة الموت'، وقال لـ 'القدس العربي' 'ترى الموت أمامك طوال سيرك منحني الظهر، وينصب عقلك في التفكير فقط ليس لحاجتك التي أرغمتك على السفر بهذا الوضع، بل على كيفية خروجك من القبر (النفق) إلى سطح الأرض'، لكنه يؤكد أن الحاجة ترغمك على فعل أكثر من هذا الأمر.



المهربون هناك في أقصى جنوب غزة يؤكدون أن 'الأنفاق'، جمعت شمل العديد من الأسر الفلسطينية المشتتة، وجلبت عدد من الزوجات.



وفي غزة لجأ عدد من شبان تقيم زوجاتهم أو خطيباتهم في خراج القطاع إلى إقدامهن عبر 'الأنفاق'، فما على 'السيدة المهربة' سوى أن تلبس لباس محتشم، وبنطال طويل، وتضع على وسطها حبل لربطها في آلة الرفع التي تنزلها أيفل الأرض (بداية فتحة النفق) وأن تغمض عيناها لعشر دقائق أو ما يريد، لتلف وسطها مجدد بحبل آخر لتسحبها آلة الرفع إلى سطح الأرض لتجد زوجها في الانتظار، الذي يكون قد دفع رسوم السفر التي تقدر بنحو 1000 دولار.



ولم تعد مدينة غزة التي يعتبر سكانها الأغنى المركز التجاري للقطاع، على الرغم من كثر المحال التجارية الكبيرة بها، بعد أن انتزعت مدينة رفح التي ذكرها البنك الدولي في تقرير سابق أنها الأفقر في المناطق الفلسطينية بفعل هذه الأنفاق الأرضية، التي أجبرتها على إقامة 'سوق الأنفاق' الذي تعرض فيه البضائع المهربة بشكل علني، يقدم إليه تجار غزة من كل المناطق لشراء احتياجاتهم.



وتجارة 'الأنفاق' في الفترة الأخيرة لم تعد قاصرة على بضائع تجلب حسب رغبة ملاكها فقط، فإن كنت صاحب حاجة أو تاجر كبير، ما عليك إلا أن توزر صاحب أحد 'الأنفاق' أو أحد الوكلاء الذي نشط عملهم مؤخراً لطب ما تحتاجه، أو التوصية على بضاعة موجودة في مصر، ليقوموا بتهريبها وإيصالها حيث يشاء التاجر.



وفي غزة الخاضع لسيطرة حماس لا تمانع الحركة من حفر هذه الأنفاق، باعتبارها إحدى وسائل كسر حصار إسرائيل، وغزت البضائع المصرية بشكل غير مسبوق أسواق غزة، وباتت الأكثر إذا ما قورنت مع تلك التي تسمح إسرائيل بمرورها بشكل رسمي.



لكن ما يثير الخوف هو زيادة حالات الموت التي حلت بالمهربين أثناء العمل، حيث تعرضت عدد من 'الأنفاق' إلى عمليات انهيارات رملية مفاجئة، وتفجيرات، بسبب عدم استخدام احتياطات السلامة أثناء العمل، غير أن عاملون في المهنة اتهموا أيضاً الأمن المصري بالقيام بفرض قيود مشددة على حركة التهريب.



ذكر تقرير أعده مركز الميزان لحقوق الإنسان أن 39 مواطناً فلسطينياً قضوا خلال العام الجاري ضحايا انهيارات في أنفاق التهريب