صدام حسين كان يخطط لتحرير فلسطين عبر الأراضي الأردنية. هذا بعض ما فاجأنا به الدكتور تيسير الحمصي، أمين سر حزب البعث العربي الإشتراكي الأردني، في هذا الحوار. ولأن نظرة صدام حسين لفلسطين كانت أنها هي القضية المركزية لحزب البعث وللأمة العربية، فإنه كان يوصي رفاقه بأن يهتموا بفلسطين حتى تقلع الشوكة الصهيونية من خاصرة الأمة العربية. وكان يقول لهم قبيل احتلال العراق، إذا تم احتلال العراق فإن الإحتلال سيرحل يوما، لكن الأهم هي فلسطين..يجب أن تظل قضيتكم المركزية حتى تقلع الشوكة الصهيونية منها.
وكان اهتمام صدام حسين بالأردن ينبع من عروبة الأردن، ومن كونه يمثل اطول خط مواجهة مع اسرائيل، كان يرى أن تحرير فلسطين سيتم عبر هذا الخط. ولذا، فإنه كان يوصي رفاقه في حزب البعث الأردني خيرا ببلدهم الأردن، وبنظام الحكم فيه.
ويشير الحمصي في هذا الحوار إلى أن الملك حسين رحمه اله كان أمر بإعادة مسدسات اهداها صدام حسين لشخصيات اردنية بعد أن صادرتها جمارك مطار عمان منهم وهم في طريق عودتهم من العراق.
وبسبب من سياسات صدام العربية، يقول الحمصي إن الإسلاميين الأردنيين عدلوا موقفهم من صدام بعد اتضاح صورة مواقف حكومة العراق من قضايا الأمة، كما استمعوا لهذه المواقف من طه ياسين رمضان نائب رئيس الجمهورية.
ويكشف الحمصي عن أن الإيرانيين باتوا يسيطرون الآن على حدود العراق مع الكويت، وأن اللغة الفارسية باتت هي اللغة المعتمدة في مركز سفوان الحدودي مع الكويت، حيث يتم تعبئة بطاقات المغادرة التي تحوي المعلومات الشخصية الخاصة بالمسافر باللغة الفارسية.
وتحدث الحمصي عن المؤتمر القطري الإستثنائي الذي دعي لعقده داخل منطقة حدودية سورية قريبة من الحدود العراقية، مؤكدا فشل المؤتمر، كاشفا عن أن محمد يونس الأحمد الذي انتخبه هذا المؤتمر أمينا لسر قطر العراق في حزب البعث، قرر فورا فصل عزت ابراهيم الدوري الذي تولى امانة السر بعد استشهاد صدام حسين، و 150 آخرين من عضوية الحزب.
ويؤكد الحمصي في هذا الحوار الذي بدأناه بالسؤال عن التحضيرات الجارية لإحياء ذكرى اربعين صدام حسين في عمان، أن الذين دخلوا العراق مع دبابات الأميركان سيفرون منه مع ذات الدبابات..مؤكدا أن الإحتلال بات في نزعه الأخير.
هنا نص الحوار:
• ما طبيعة حفل التأبين الذي تعملون على التحضير له في ذكرى اربعين الرئيس العراقي السابق صدام حسين..؟ ما طبيعة المشاركين، وهل حصلتم على ترخيص حكومي لإقامته..؟
ـ نحن نعتبر حفل التأبين حدث تاريخي تشهده امتنا العربية. وقد تقرر التعاون مع كل أطياف الشعب في الأردن من احزاب ونقابات واتحادات للعمل معا على احياء هذه المناسبة التي يجب أن يشارك فيها ممثلو كل الشعب الأردني، وليس طيفا معينا، أو حزبا معينا، أو نقابة معينة.
وقد عقد اجتماع الخميس الماضي بالتعاون مع النقابات المهنية في مجمع النقابات شارك فيه عدد من الأحزاب والنقباء برئاسة المهندس عبد الهادي الفلاحات رئيس مجلس النقباء في دورته الحالية، وتم اعداد مشروع برنامج لحفل التأبين الذي سيقام في الثامن من شباط/فبراير المقبل، ويصادف ذكرى ثورة 14 رمضان..عروس الثورات العراقية، التي اطاحت بالنظام الشعوبي في العراق برئاسة عبد الكريم قاسم.
• أين سيقام الحفل..؟
ـ هنالك اقتراح بأن يقام في السابعة من مساء ذلك اليوم، أما المكان فهنالك عدة اقتراحات بشأنه من بينها قصر الثقافة، وأمانة العاصمة ومجمع النقابات المهنية..علما أن اقامته في قصر الثقافة أو امانة العاصمة تحتاج إلى موافقة محافظ العاصمة، في حين اقامته في مجمع النقابات لا تستدعي موافقة حكومية. ولا أعتقد أن الحكومة ستعارض اقامة الحفل.
نحن نعتبر استشهاد صدام حسين خسارة لكل المة العربية، بما في ذلك الحكومة والنظام في الأردن، اضافة إلى الشعب العراقي. خسارة صدام حسين لم تقتصر على العراق وحده، وإنما هي خسارة لكل أمتنا العربية، وبخاصة الأردن.
تم الإتفاق مبدئيا على أن تتحدث عدة شخصيات في الحفل، إذ ستكون هناك كلمة لكل من الأحزاب السياسية المعارضة، النقابات المهنية، الأحزاب الأردنية الأخرى، الحركة الإسلامية، الدكتور هاني خصاونة عن الشخصيات الوطنية المستقلة، المناضل الكبير ضافي الجمعاني، لجنة الدفاع عن صدام حسين يلقيها المحامي صالح العرموطي نقيب المحامين، المحامية اللبنانية بشرى خليل، الحركة النسائية وتلقيها السيدة آمنة الزعبي، اللجنة الشعبية لدعم العراق يلقيها المناضل الكبير حاكم الفايز. وقصيدة للشاعر أديب ناصر.
وقد تشكلت لجنة لوضع ترتيبات الحفل تضم وجوها حزبية ونقابية برئاسة المهندس ميسرة ملص رئيس لجنة الحريات النقابية.
مبدئيا توجد فكرة لإقامة سرادق خارج مجمع النقابات في حال تقرر اقامة الحفل في المجمع، وأن تفتح جميع قاعات المجمع لاستيعاب الحشد الكبير الذي نتوقع حضوره للمشاركة في المناسبة (قاعات الزهراء، الزوراء، والرشيد). وستعقد اللجنة التحضيرية للحفل مؤتمرا صحفيا في الثالث من الشهر المقبل للتحدث عن برنامج الحفل، بحضور عدد من النقباء والشخصيات السياسية.
بالطبع، ستكون الدعوة للمشاركة في الحفل مفتوحة للجميع.
مواقف احزاب المعارضة
• ما هي الأحزاب التي شاركت في اجتماع الخميس الماضي..؟
ـ أنا أمثل جميع أحزاب لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة كوني اشغل الآن الناطق الرسمي باسم هذه الأحزاب. وسنناقش في اللجنة من سيتحدث باسم احزاب المعارضة في حفل التأبين.
• هنالك حديث يقول أن بعض احزاب المعارضة لا تريد المشاركة في احياء ذكرى صدام حسين..؟
ـ في المناسبات السابقة التي اعقبت اعدام الرئيس صدام حسين شاركت جميع الأحزاب..؟
• بما في ذلك الحزب الشيوعي..؟
ـ بما في ذلك الحزب الشيوعي والبعث التقدمي.
• وهل سيشاركان في حفل التأبين..؟
ـ لم يبلغاني بموقفيهما بعد (أجري هذا اللقاء الخميس الماضي).
وأود لفت النظر إلى أن جميع الأحزاب الأردنية..معارضة وغير معارضة زارتنا في مقر حزبنا، وقدمت لنا التعازي باستشهاد الرئيس صدام حسين. كما شاركت كل الأحزاب في مسيرة الإحتجاج التي نظمت بالمناسبة.
صدام حسين ليس ملكا لحزبه وشعبه فقط، هو ملك لكل الأمة العربية. وأتصور أن أي انسان في امتنا العربية لديه شرف وضمير لا بد أن يشارك في احياء ذكرى صدام حسين. ومن لا يشارك الأمة احياءها لذكرى صدام اساويه بالعدو الصهيوني، واعتبره خائنا لأمته..لأن صدام حسين استشهد دفاعا عن قضايا أمته العربية.
الجميع يعلم أن صدام حسين عرض عليه أثناء أسره أن يتخلى عن مبادئه مقابل الإحتفاظ بحياته وإطلاق سراحه، لكنه رفض فعل ذلك. لقد طلب منه الأميركان أن يصدر بيانا يدعو فيه لوقف المقاومة مقابل الإفراج عنه، لكنه رفض، وفضل أن يستشهد على أن يفعل ذلك، وأن يفرط بكرامته وكرامة الأمة العربية.
لذلك، نحن نعتبره كأحد الصحابة الذين استشهدوا. لقد استشهد وهو يحمل القرآن في يده. وردد الشهادة وهو يقف على منصة المشنقة. وكانت آخر كلماته عاشت فلسطين حرة عربية من النهر إلى البحر. ونحن نعتبر هذه الكلمات وصية للأمة، وسنسير بإذن الله على نفس الدرب الذي سار عليه صدام حسين.
تستحضرني الآن كلمات صدام حسين حين كنا في أحد اللقاءات التي جمعتنا به في بغداد، وكان ذلك سنة 2003 قبيل العدوان، وذلك في اطار مؤتمر القوى الشعبية العربية..قال لنا "يا رفاق.. إذا تم احتلال العراق، لا تخافوا لأن العراق إن تم احتلاله سيخرج المحتلون منه في النهاية. عليكم الإهتمام بقضيتنا المركزية فلسطين..إن لم تقتلع الشوكة (اسرائيل) من جسم الأمة، سيظل الهدف هو اقتلاعها".
فلسطين والأردن
توصية صدام حسين الدائمة لنا كانت فلسطين هي القضية المركزية للحزب وللأمة".
الإحتلال الأميركي للعراق الآن هو في نزعه الأخير، وسيزول، وسيخرج المحتلون. وبالتالي، كل الخونة الذين جاؤا للعراق مع الدبابات الأميركية سيهربوا مع الدبابات الأميركية، ولن يبقى أحد منهم في العراق. لن تفيد اميركا وعملائها دبابات وقوات اضافية، أو أي شيئ آخر.
وأود أن أنوه إلى أن هذا لم يكن رأي وموقف صدام حسين فقط، إنما هو موقف جميع افراد القيادة العراقية، وقد استمعنا إليه ذات مرة من طه ياسين رمضان نائب الرئيس، وكان من بين الحضور الشيخ حمزة منصور.
التداعيات تفرض التذكير في هذا المقام بأنه كان للإسلاميين موقف من صدام حسين، لكنهم حين رأوا كيف تفكر القيادة العراقية، عدلوا موقفهم، وغيروه.
في أحد الإجتماعت للقوى الشعبية العربية قال طه ياسين رمضان لقادة أحزب ونقابات الأمة أنتم لستم حكومة..مطالبكم ضعيفة جدا..يجب أن تصعدوا من سقف القرارات. أنتم تمثلون الشعب العربي..يجب أن يكون سقف حديثكم ومطالباتكم أعلى من ذلك. وقال رمضان في هذه الجلسة أنا بعثي لكنني أتحدث الآن كمواطن عربي، وليس كمسؤول رسمي. وتحدث عن فلسطين قائلا نحن تربينا على شعار تحرير فلسطين وحبنا لقضايا أمتنا، ولا نستطيع أن نغير من هذا. صحيح أننا في موقع المسؤولية قد لا نستطيع أن نقول كل ما نؤمن به، ولكنني كمواطن عراقي اقول لكم إننا لا نغير مبادئنا".
إثر هذا اللقاء ابلغني أحد قادة الإسلاميين في الأردن أنه بعد أن استمع لطه ياسين رمضان أصبح يؤمن بصدق واخلاص نظام الحكم في العراق.
بعد ذلك، أصبحنا كلما نذهب للعراق، وحين اسأل عمن يمثل الأحزاب الأردنية، أجيب إنه الشيخ حمزة منصور..إنه رمز من رموزنا الوطنية والقومية والإسلامية..وهو رجل مخلص فيما يقول، وهو رجل مواقف. وذات النظرة نتعامل بها الآن مع الأخ زكي بني ارشيد الأمين العام الحالي لحزب جبهة العمل الإسلامي.
مسدسات من صدام حسين
• وماذا عن مواقف أخرى لصدام حسين عبر فيها عن طبيعة نظرته للأردن وعلاقته به..؟
ـ صدام حسين كان يعتبر دائما أنه لا بد من الإهتمام بالأردن، وعلى الوضع ونظام الحكم في الأردن، لأن الأردن يملك اطول خط مواجهة مع الكيان الصهيوني، ولأن انطلاقنا لتحرير فلسطين سيكون من الأردن.
كان دائما يوصينا خيرا ببلدنا الأردن وبنظام الحكم في الأردن.
أتذكر الآن أننا، في أيام المرحوم الملك حسين، زرنا في اطار اللجنة الشعبية الأردنية لدعم العراق الجبه العراقية ـ الإيرانية، وأخذونا إلى ذات الموقع الذي أطلق منه المرحوم الملك حسين قذيفة مدفع باتجاه هدف ايراني. وكانت اللجنة برئاسة المرحوم أمين شقير. وقبيل عودتنا أهديت لنا، باسم الرئيس صدام حسين، مسدسات صناعة عراقية من نوع طارق. وقد كان معنا المرحوم راضي الشخشير رحمه الله، وبرجس الحديد، واسماعيل محادين، وصالح ارشيدات، وشاكر طالب ومحمد القريوتي وشخصيات أخرى. وكان الرئيس أهدى الملك حسين رشاش كلاشنكوف بعد زيارته ذات الموقع.
حين وصلنا مطار عمان على متن طائرة عراقية خاصة، لم يجر تفتيشنا. فسأل المرحوم شقير القريوتي هل أبلغت رجال الجمارك أننا نحمل مسدسات، فأجاب القريوتي بالنفي. وعندها طلب منه شقير الإبلاغ فورا، وكنا قد غادرنا مبنى المطار، فعدنا ثانية وتم أخذ المسدسات منا, لكن المسدسات أعيدت لنا لاحقا بإرادة ملكية من الملك حسين رحمه الله.
وقد أبلغنا طه ياسين رمضان عن لسان صدام حسين أن "المنحة النفطية" التي كان يحصل عليها الأردن من العراق ليست "منحة"، وإنما هي حق للأردن في نفط العراق. وكان يقول إن نفط العراق ليس ملكا للعراق وحده، وإنما هو ملك لكل العرب.
